أيتام مبارك

فى واحدة من الجلسات التى أستمتع بموضوعاتها الغير مطروحة بكثرة على طاولات أحاديث الغالبية العظمى، وبعد أن فتحت الموضوع أشار وائل عبد الفتاح، لمصطلح أحسبه رائعا وأسطوريا عن حالة إجتهدت فى شرحها بعدد وافر من الجمل الطويلة .. ليرد هو .. إنهم أيتام مبارك

وسأجتهد هنا مرة أخرى لشرح الحالة سالفة الذكر محاولا رسم صورة لمستقبل ووجه الإعلام القادم فيما يخص تحديدا تصنيف الرأى  وليس على مستوى الصحافة والإعلام بشكل عام

حسنا دعونا أولا نشرح حالة ماقبل الثورة إلى أخر دقيقة قبل كتابة هذه السطور - تحديدا فى نهاية يوم الإعلان عن بدء محاكمة مبارك - الجميع وأذكر هنا أصحاب "الرأى" كانوا فى خندق واحد ضد الطاغية مع المناضلين و الأحزاب والحركات السياسية والنشطاء والحقوقيين والنشطاء الأليكترونيين .. الجميع كان فى معسكر واحد يلقى فى بئر واحد نفس محتويات الجردل - لامؤاخذة - على رأس الديكتاتور

وفى لحظة تاريخية رحل مبارك .. وفى لحظة لا تقل عظمة يتم التحقيق معه هو وعائلته ونظامه و أصبح لزاما على الجميع قلب هذه الصفحة من كتاب تاريخ الوطن، لتتغير كل قوانين اللعبة التى تتلخص قوانينها فى التالى، لديك ورقة بيضاء وتمتلك عدد لا بأس به من الأقلام صاحبه "الأبناط" المختلفة.. والسؤال هنا إجبارى ستقوم أنت بوضعه وطرحه والإجاب عليه

والغلبة بالطبع لمن يمتلك الموهبة والقدرة على خلق مساحات بنائية وتحليلية جديدة وتقديم رؤية مختلفة للمشهد .. ساعتها سيتخبط "أيتام مبارك" الذين بنوا أسطورتهم الذاتية على أكوام من الخراء الوطنى  من صنع نظام ليرفعوا أبواقهم بالزعيق والجعجعة بذلك الخطاب الموحد السابق للذكر، الثابت فى مضمونه والسهل على الجميع ..  هناك طاغية و نريده أن يرحل وفى المنتصف زعيق على القضايا الوطنية المعتاد والمكررة والمملة فى حد ذاتها

 لنقرب وجهة النظر أكثر، هل شاهدت فيلم 300 إسبارطى؟؟ الذى خرج فيه مجموعة لتتخذ الخطوط الأمامية فى الدفاع عن إسبرطة مدينة المحاربين ليخوضوا حربا طاحنة مع زاراكسيس، يقف الملك المحارب على قمة الجبل شارحا للأحدب تقنية ال 300 إسبارطى فى القتال والتى تتلخص فى عمل تكتل قوى من الجنود يحمى بعضه بعضا ويدعم القوى رفيقه الواقف بجوره مشكلين وحدة واحدة قوية موحدة الهدف والإسلوب والطريقة القتالية.. تذكرت الفيلم؟ حسنا .. لنطرح سؤال : ماذا لو إنتصر ال 300 ؟؟ وقتها لن يبقى لهم عدو واحد ولأنهم محاربين يقتاتوا على المعارك سيخوضون غمار المنافسه فيما بينهم فى منافسة شريفة على الأفضلية والتميز

وهى حرب ستكون فى حالتنا مركبة ومعقدة بعض الشىء، فهى قائمة على نوعين من الصراع .. صراع الكتاب العواجيز أصحاب النظريات والأعداد التى لابأس بها من عناوين الكتب والأماكن المريحة على كراسى رئاسة التحرير والأماكن البارزة بكلمات منمقة على عواميد الصحف اليومية والإسبوعية، وبين جيل الوسط - الذى يأتى بعده جيل المدونيين وكتاب الانترنت -  ذلك الجيل الذى احسبه مشوها ماحصلش حكمة وخبرة العواجيز ولا تجربة نضال والنزق الثوري لجيل شباب المدونيين وكتاب الأنترنت ، والذى تختلف فيه مستويات الموهبة بين أفراده إختلافات كبيرة وعميقة ، ناهيك عن شلة البهلوانات التى راحت تتخبط وتطرح نفسها كحل سحرى لجميع أنواع الكتابة .. سياسة شغال .. نقد فنى ماشى .. ساخر مايضرش .. سيناريوهات مسلسلات .. أفلام .. برامج .. إذاعة .. كله شغال ودايس بمنطق أخوك الصغنن حلاوة .. يعملك كل حاجة

تلك المعركة فى توقعى سيحسمها جيل الوسط مدعوما بمهاويس تحطيم الأصنام القديمة والراغبين فى كتاب يزغزغوهم على القنوات الفضائية بوجبة دسمة من الإيفيهات وسط الكلام ومدعوما ايضا ومستندا على نجاح الموهوبيين الحقيقيين من هذا الجيل، وسرعان ما سيبدأ صراع المهرجين والأراجوزات فى مواجهة أصحاب الموهبة ، ذلك الصراع الذى سيشكله إهتمامات القراء أنفهم فى مرحلة بناء مابعد الثورة

كل هذا فى وجود جيل أخير ينتظر إما الفرصة فى التقدم كوجوه للثورة والنجاح  فى تقديم اساليب أثبتت نجاح بالفعل على شبكة الإنترنت و إنطلقت فى سماوات صناعة ثورة وماسبقها من إرهاصات وإعداد.. تلك الفئة التى لها جمهور متابع بالفعل منذ عدة سنوات و متأثر بتجربتهم، محترما لها بالفعل أو نكاية فى سابقيهم

ذلك الجيل الذى يمكن تقسيمه أيضا  لعدة تصنيفات تحمل فى طياتها الصراع تماما مثل سابقيها، فهناك من بنوا شهرتهم على التهليل وشتيمة الرئيس المخلوع وهناك من إستغلوا التدوين للعبور لبوابة الصحافة التى خلعوا على بوابتها ردائهم الإلكترونى وهناك الذين إستغلوا الأمر برمته لمجد شخصى ترجم إلى جوائز وعواميد ومساحات صحفية وفضائية ـ  وهناك ايضا الثابتين على موقفهم وهناك أصحاب الموهبة ليس فقط فيما يخص شتيمة مبارك والنضال ضد النظام بل فى مجالات أخرى ومساحات مختلفة صنعوها بأنفسهم

دائرة اليتم والتخبط ستجمع عدد لا بأس به من الأسماء الرنانة والتى ستعجل بسقوطها إن لم تكن بدأت بالفعل، إما بسبب ضعف الموهبة أو ضعف الحجة والرؤية السياسية وإما بسبب الخبرة والإكتفاء بحالة الكلام عن القشور وأذكر هنا جميع التصنيفات السابقة

إذن فلنتخذ مقاعد النصف مشاهدين فلكل منا دور ينتظره فى  المعركة القادمة حتى و إن كان حاجزا لمقعد صالة
هامش : الحالة السابقة "أيتام مبارك" يصلح تطبيقها على السياسيين والأحزاب والناشطين والمنظمات الحقوقية .. إلخ